قضت محكمة تونسية بسجن 25 شخصا لفترات تتراوح بين أربعة وعشرة أعوام بعد إدانتهم بتهم "التمرد المسلح والشغب" إثر مظاهرات جرت في يونيو الماضي احتجاجا على غلاء المعيشة وتردي الأوضاع الاجتماعية.
جاء ذلك بالتزامن مع تعهد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اليوم الجمعة بدعم المسار الديمقراطي وحقوق الإنسان في البلاد خلال الفترة المقبلة.
وأصدرت المحكمة الابتدائية في مدينة قفصة (كبرى مدن الجنوب الغربي التونسي) أحكاما بالسجن على 25 شخصا، والحكم بعامين مع إيقاف التنفيذ على ثمانية، والإفراج عن خمسة آخرين خلال محاكمة شملت 38 تونسيا وجرت ليل الخميس الجمعة وسط إجراءات أمنية مشددة.
ومن جهته أدان المحامي شكري بلعيد، وهو من فريق الدفاع عن المتهمين، هذه الأحكام، واصفا إياها بأنها: "أحكام قاسية لتحركات اجتماعية كان يمكن أن تحل بطريقة أخرى أفضل".
وتابع بلعيد أن: "قاضي المحكمة الابتدائية بقفصة أصدر أحكاما بالسجن لمدة عشر سنوات في حق سبعة من قادة التحركات الاحتجاجية، من بينهم عدنان حاجي المتحدث باسم الحركة الاحتجاجية، وبشير العبيدي وعادل الجيارة"، بحسب رويترز.
وأضاف أن: "الموقوفين تعرضوا للاعتداء وأخرجوا من القاعة، كما رفعت الجلسة لساعات قبل أن يتم التصريح بالحكم في ساعة متأخرة من الليل بشكل مفاجئ وغير قانوني".
"عصيان مسلح"
وأوضح بلعيد أن عدنان الحاجي وخمسة آخرين نالوا أقصى العقوبة، في حين حكم غيابيا على محيي الدين شربيب، منسق لجنة مساندة أهالي مدينة قفصة في فرنسا، بالسجن لمدة سنتين، كما حكمت المحكمة غيابيا على المعارض الفاهم بوكدوس مراسل قناة الحوار التي تبث برامجها من إيطاليا بالسجن لمدة ستة أعوام.
وتعليقا على الحكم قال مصدر قضائي تونسي إنه: "تمت إدانة المعتقلين أساسا بتهمة تكوين وفاق إجرامي من أجل الاعتداء على الأشخاص والممتلكات والعصيان المسلح لأكثر من عشرة أشخاص تم خلاله الاعتداء على موظفين خلال أدائهم لمهامهم".
وفي حيثيات حكمها قالت المحكمة: إن المعتقلين "تزعموا تظاهرات أدت إلى الإخلال بالنظام العام تم خلالها رمي حجارة وزجاجات حارقة على قوات الأمن"، وعبر المحامون عن استيائهم من سير المحاكمة التي وصفوها "بالصورية".
وانطلقت المحاكمة في الرابع من ديسمبر الجاري أمام المحكمة الابتدائية بقفصة، وصدرت الأحكام في ساعة متأخرة ليل الخميس بعد محاكمة مثيرة حضرها أكثر من 40 محاميا واستمرت طيلة الخميس.
واعتقل أفراد هذه المجموعة في يونيو الماضي إثر اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب بمحافظة قفصة قبل أن يتدخل الجيش ليفرض السيطرة ويعيد الهدوء للمنطقة.
واندلعت حركة الاحتجاج الاجتماعي في يناير 2008 عقب ما أثير من تلاعب في مناظرة توظيف في شركة فوسفات قفصة أكبر مؤسسة في المنطقة الغنية بالفوسفات والتي تفوق فيها نسبة البطالة المعدل العام في البلاد وهو 14%.
المسار الديمقراطي
وبعد ساعات من المحاكمة التي تعرضت لانتقادات حادة من قبل هيئة الدفاع، تعهد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بمزيد من دعم المسار الديمقراطي وحقوق الإنسان خلال الفترة المقبلة التي ستشهد انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وأضاف خلال خطاب ألقاه اليوم الجمعة بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "عازمون على مزيد من الارتقاء بهذا البناء إلى الأفضل، وواعون بما يتطلبه من مقومات لتأمين مساره ووقايته من مخاطر الانتكاس أو التراجع".
وأوضح بن علي، الذي تواجه بلاده انتقادات من حقوقيين ومعارضين بأنها تنتهك حقوق الإنسان، أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة "فرصة متجددة لتعميق تلك المقومات وترسيخ تلك الثقافة المطلوبة وسلوكياتها".
وستجري خلال شهر أكتوبر عام 2009 انتخابات رئاسية ينتظر أن يشارك فيها ما لا يقل عن ثلاثة معارضين بالإضافة للرئيس بن علي، وتطالب أحزاب المعارضة بمنحها فرصا حقيقية للمنافسة وعدم احتكار كل المنابر لصالح الحزب الحاكم.
وفيما يبدو أنه رد على منتقدي سجل بلاده في مجال حقوق الإنسان قال الرئيس التونسي: إن "قيم حقوق الإنسان ومبادئها أرفع من أن تكون مطية لتحقيق الأغراض السياسية ومصالح معينة، وهي أنبل وأكبر من أن ينصب فيها طرف نفسه مانحا الدروس".
ومضى يقول: "نحن نعتبر أن الطريق مفتوح أمام بلادنا لمزيد من التقدم على هذا المنهج الذي استغرق لدى بعض الشعوب التي سبقتنا فترات طويلة امتدت إلى عشرات السنين".