يعتقد علماء باحثون من جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين أن دراسة البيولوجيا الوراثية لنحلة العسل على صغر حجمها يقربهم أكثر من فهم الأساس الجزيئي للسلوك الاجتماعي لدى البشر.
ووفقا للدكتور سورب سينها أستاذ علوم الحاسوب بالجامعة الباحث بـ"معهد البيولوجيا الجينومية"، يعتبر العلماء نحلة العسل (باللاتينية Apis millifera) منظومة نموذجية للسلوك الاجتماعي.
تغير المهام
وباستخدام هذه المنظومة النموذجية، قاد د. سينها فريق بحث درس جينوم نحلة العسل من أجل مفاتيح للمزاج الاجتماعي، أحد صور الضغط (التأثير) الذي يمارسه النحل لدفع مجتمع خلية النحل إلى تغيير الأعمال أو المهام التي يقوم بها استجابة لاحتياجات الخلية.
يسعى الباحثون إلى اكتشاف الكيفية التي يؤثر بها مجتمع نحل العسل على السلوك الفردي لكل نحلة. وبدراسة التقنين أو التنظيم الاجتماعي لتعبيرات الجينات (المورثات)، يأمل فريق البحث في التمكن من استقراء أو استنتاج بيولوجية -السلوك الاجتماعي- للبشر.
قدم د. سينها وزملاؤه نتائج دراستهم في ورقة بحثية ستنشر في العدد القادم من "فعاليات أكاديمية العلوم الوطنية" الأميركية، وأصدرت جامعة إلينوي بيانا بخلاصة الدراسة أتاحته يوريكاليرت.
والمعلوم أن شغالات النحل -في سن مبكر- تؤدي عددا من المهام في الخلية مثل العناية ببيض الملكة واليرقات من النحل. ثم تتحول مهامها لاحقا -مع التقدم في السن- إلى جمع الرحيق واللقاح.
بيد أنه عندما يكون هناك نقص في عدد شغالات الرحيق واللقاح تقوم بعض شغالات العناية بالبيض واليرقات بالتحول إلى جمع الرحيق واللقاح.
تفعيل وتعطيل
هذا التحول في المهام، سواء تم إطلاقها بحكم السن أو بضغط (المزاج) الاجتماعي، ينطوي على تغيرات في آلاف الجينات في دماغ نحلة العسل، حيث يتم تفعيل بعض الجينات وتعطيل البعض الآخر.
ويتم تفعيل أو تعطيل الجينات بواسطة خطوط قصيرة من الحامض النووي (DNA). وتقوم هذه الخيوط بدورها كمواقع تقييد لجزيئات بعينها تسمى عوامل النسخ. فمثلا عندما يتواجد عامل النسخ الصحيح عند موقع التقييد قد يتم هنا تفعيل الجين. ولكن إذا أفلت عامل النسخ من موقع التقييد يتم تعطيل الجين.
وللبحث عن الجينات التي يمكن أن تلعب دورا في السلوك الاجتماعي، استخدم د. سينها وزملاؤه جينوم نحلة العسل -الذي تم فك متتابعاته مؤخرا- لرصد مواقع تقييد عوامل النسخ المعروفة بالقيام بوظيفة في تطور ذبابات الفاكهة (المعروفة بـDrosophila melanogaster) من خلية واحدة إلى حشرة بالغة.
العوامل الاجتماعية
وباستخدام نموذج حاسوبي كتبه الباحثون تمكنوا من رصد نحو 3000 جين. ثم استخدموا الأساليب الإحصائية للتحري حول ما إذا كانت عوامل نسخ معينة تترابط مع جينات يتم التعبير عنها بشكل متغاير (تفعيلا وتعطيلا) بين شغالات العناية وشغالات جمع الرحيق واللقاح.
وجد الباحثون خمسة عوامل نسخ مختلفة أظهرت ارتباطا إحصائيا دالا مع الجينات المقننة اجتماعيا. ويبدو -كما يلاحظ د. سينها- أن الجينات المنخرطة في تطور النظام العصبي لذبابات الفاكهة تعاود الطبيعة استخدامها لأجل الوظائف السلوكية في نحلات العسل البالغة.
يلفت د. سينها إلى أن نتائج دراسة الفريق تشير إلى إمكان الإفادة من نحلات العسل في استخلاص الآليات التي تقوم بموجبها العوامل (الوراثية) الاجتماعية بتقنين التعبير عن الجينات في الأدمغة، بما فيها أدمغة الإنسان.