"جريء لكنه متهور أحيانا".. مؤمن بالفكر القومي العروبي الذي كان ينتهجه حزب البعث السابق، فهو يساري لكنه ليس بعثيا.. أثر فيه موقف مواطن عراقي قذف تمثال الرئيس الراحل صدام حسين بالحذاء عقب سقوط بغداد؛ لأنه يرفض الاستقواء بالمحتل، فأراد أن يرد الضربة، ولكن هذه المرة لرمز الاحتلال.
أطلقت القناة التي يعمل بها اسمه على أحد الاستوديوهات تكريما لأدائه الإعلامي القوي الذي عرضه للاختطاف أكثر من مرة.. شيعي المذهب لكن لا تغلب عليه النعرة الطائفية.. على الشاشة يتفاعل بقوة مع معاناة العراقيين، ويهاجم الاحتلال والمسئولين العراقيين بأقسى التعبيرات، ولكن خارج "الكادر" يتسم بالهدوء وروح الدعابة.
تلك أبرز ملامح شخصية منتظر الزيدي مراسل قناة البغدادية في بغداد، الذي قذف الرئيس الأمريكي جورج بوش "بفردتي" حذائه الأحد 14/12/2008 خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وفقا لما ذكره لإسلام أون لاين نت زميله المقرب أحمد علاء الدين المذيع بالقناة، والمشرف على النشاطات الفنية والثقافية.
جرأة الزيدي وحسه الوطني العالي –كما يقول علاء الدين- هي التي جعلته يتهور ليرسم هذا المشهد التاريخي الذي نادرا ما يتعرض له رؤساء الدول والحكومات.
فقد أراد الزيدي (29 عاما) أن يودع بوش الذي تنتهي ولايته في يناير المقبل وداعا خاصا، ونعته بـ"الكلب"، معتبرا أن قذفه بالحذاء هو "قبلة وداع من الشعب العراقي" للرئيس الأمريكي.
وقد سمعت تأوهات للزيدي، إذ ربما يبدو أنه تعرض لاعتداء من جانب أفراد الأمن العراقيين.
"حس وطني"
ويؤكد علاء الدين أن "الزيدي ليس عضوا في أي تنظيم سياسي، وإنما هو مواطن عراقي عادي، يحركه الحس الوطني، ومعاناة الشعب العراقي تتزايد مأساوية أوضاعه الإنسانية يوما بعد آخر على أيدي الاحتلال الأمريكي".
ويسترسل قائلا: "يؤمن الزيدي بالفكر القومي العروبي الذي كان يتبناه حزب البعث السابق الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، لكنه لم يفكر أبدا في الانضمام إليه لعدم قناعاته بالجانب التنظيمي للحزب".
ينتهج الزيدي -وهو أعزب ويعيش بمفرده بعيدا عن بيت العائلة في بغداد- في تقاريره خطا مناهضا للاحتلال وللمتعاونين معه من الساسة والمسئولين العراقيين، يحاول من خلاله فضح ممارسات القوات الأمريكية داخل العراق، ولكن بشكل مهني عبر التركيز على الموضوعات الإنسانية وهموم الشارع العراقي.
"لا خطوط حمراء"
وقد رأت القناة التي تصنف نفسها على أنها مستقلة وتتبع معايير مهنية بحتة في الزيدي هذه الروح والجرأة، فغذتها وساعدته في عرض تقاريره دون تقييده بخطوط حمراء وأعطته صلاحيات واسعة، وهو ما ساعده رغم حداثة سنه في دخول قلوب كثير من العراقيين الذي وجدوا فيه إعلاميا وطنيا.
ومن أكثر التقارير الإنسانية التي أنجزها وأثرت في كثير من مشاهديه "الطفلة زهراء" التي قتلها الاحتلال الأمريكي أثناء ذهابها إلى مدرستها.. فقد رصد هذه الواقعة بكاميرته، وذهب إلى أسرتها وأصدقائها وجيرانها، ليصيغ تقريرا أسال دموع كل من شاهده، كما يروي زميله أحمد علاء الدين.
رد صفعة صدام!
ومن أكثر المواقف التي أثرت في الزيدي، وحركت مشاعره –كما كان يقول لصديقه- هو قيام أحد العراقيين في 9/4/2003 - وهو يوم سقوط بغداد في قبضة الاحتلال- بقذف تمثال صدام بالحذاء.. ويؤكد الزيدي -وفق رواية صديقه علاء الدين- أن مبعث حزنه، ليس حبه لصدام وتأييده له، بقدر استيائه من أن يضرب عراقي عراقيا آخر أمام المحتل من منطلق الاستقواء بالاحتلال.
وربما يكون هذا الموقف من بين الدوافع الأخرى التي مرت على ذهن الزيدي أثناء زيارة الوداع التي قام بها بوش إلى العراق قبل رحيله، فأراد أن يرد بعد عامين إهانة صدام الذي أعدم في 30/12/2006، ليقذف بوش بالحذاء في نفس الشهر، ولكن في العام 2008، وفقا لعلاء الدين.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن أحد زملاء الزيدي، (وهو الابن الأوسط بين أخين يعملان في التجارة) قوله إن "الزيدي كان يخطط لقذف بوش بالحذاء وقتما تحين الفرصة.. ولم يكن لدينا أدنى شك في أن يقدم على ذلك".
اختطاف الزيدي
وكان الزيدي قد تعرض للخطف خلال انتقاله إلى مقر عمله في منطقة الباب الشرقي وسط بغداد في ١٦ نوفمبر عام٢٠٠٧، وأفرج عنه بعد أسبوع دون دفع فدية، وبرر -زميله ذلك الاختطاف- بأن المسلحين الذين اختطفوه ظنوا في البداية أنه موال للاحتلال؛ نظرا لتقاريره المتوازنة والمهنية، حيث كانت تقاريره تنقسم إلى شقين "تقارير الشارع، وتغطية فعاليات البرلمان العراقي"، ولكنهم أطلقوا سراحه دون فدية، بعدما تأكدوا من خطأ ظنهم.
كما تعرض الزيدي للاعتقال مرتين من جانب قوات الاحتلال، بحسب الدكتور مزهر الخفاجي مدير البرامج بقناة البغدادية.
وبعد اختطافه وضعت القناة التي تبث من القاهرة اسم منتظر الزيدي "خريج كلية الإعلام جامعة بغداد" على أحد الاستوديوهات تقديرا لنشاطه وأدائه الإعلامي المتميز الذي عرضه لمواقف صعبة أبرزها الاختطاف، ولكفاءته أيضا تم ترشيحه لدورة تدريبية صحفية في لبنان قبل 10 أيام، واجتازها بتفوق.
عرض قناة الحرة
وكانت قناة الحرة العراقية قد عرضت على الزيدي العمل فيها بمقابل مادي مغر، بعدما صعد نجمه إعلاميا، ولكنه رفض بشدة، على اعتبار أن هذه القناة "تروج للاحتلال"، وقال وقتها لصديق له "إنها مسألة مبدأ".
وبالرغم من أنه شيعي المذهب، فإن الزيدي –بحسب علاء الدين- لم تبد عليه أية نعرة طائفية، مشيرا إلي أن تقاريره حول أحداث الفتنة الطائفية التي شهدتها العراق في السنوات الأخيرة كانت تغلب عليها النبرة التصالحية والحيادية.
وإذا كان الزيدي يتسم بالجرأة والانفعال والتهور أحيانا على الشاشة، انطلاقا من حسه الوطني، فإنه شخص مختلف تماما خلف الكاميرا، كما يقول المقربون منه، فهو يتسم بروح الدعابة والتواضع مع زملائه.
وكان يوضع أحيانا في مواقف محرجة لحرصه على الحديث باللهجة المصرية مع زملائه المصريين في القناة، حيث كان يستخدم بعض الألفاظ دون الإلمام تماما بمعانيها.. وبعد أن كانت ردود الأفعال على كلامه غضبة من كثير من زملائه المصريين، أدركوا أنه لم يكن يقصد الإساءة في ألفاظه، فتعودوا على ذلك.
ومن المواقف الطريفة التي يرويها صديقه – لإسلام أون لاين.نت- أن الزيدي كان بصحبته في جولة بالقاهرة، ثم طلب منه صديقه أن يتوقف عند أحد المحلات، وعرض عليه أن يشتري "بدلة سهرة" للظهور بها على الشاشة، فاستاء الزيدي بشدة، وقال له لن ألبس هذه "البدلة" قبل أن يتحرر العراق.
حملات تضامن
وبعد توقيف الزيدي، تصاعدت أصوات إعلامية وحقوقية وقانونية تشيد بالزيدي وذهب بعضها لوصفه بأنه "بطل عربي"، كما تطالب بالإفراج عن الصحفي العراقي، معتبرين أن موقفه يأتي في إطار حرية التعبير، فقد طالبت قناة البغدادية السلطات العراقية "بالإفراج في الحال عن الزيدي، من منطلق الديمقراطية وحرية التعبير التي وعدت السلطات الأمريكية العراقيين بها".
ومن جانبه قال خليل الدليمي محامي الرئيس الراحل صدام حسين إنه شكل فريقا للدفاع عن الزيدي يضم 200 محامي من بينهم أمريكيون.
وفي سياق متصل، أعلن اتحاد المحامين العرب من جانبه على لسان أمينه العام سامح عاشور أن الاتحاد سيكلف عددا من محاميه بالدفاع عن الصحفي العراقي منتظر الزيدي حال تعرضه للاعتقال أو للمحاكمة.
يشار إلى أن قناة (البغدادية) الفضائية تبث من مصر بتمويل من رجال أعمال وإعلاميين سابقين يعارضون وجود قوات الاحتلال الأميركي في العراق.