ب- تطور السحب الركامية:
1-التجميع: (ثم يؤلف بينه): من المعلوم أن سرعة السحب تكون أبطأ من سرعة الرياح المسيرة لها، وكلما كبر حجم السحابة كانت سرعتها أبطأ، وذلك بسبب تأثير قوى الإعاقة (Drag-Force) كذلك تقل سرعة الرياح عامة كلما اتجهنا إلى مناطق التجمع كما في (شكل 2) وعلى ذلك يؤدى العاملان السابق ذكرهما إلى أن قطع السحب تقترب من بعضها، ثم تتلاحم، وبالتالي نلاحظ تكاثف السحب كلما اقتربنا من مناطق التجميع ( شكل 3) وقد لخص " أنش Anthes" وآخرون العمليات السابقة في ( شكل 4) حيث يظهر الشكل عمليات السوق والتجمع.
2-الركم: ( ثم يجعله ركاما): إذا التحمت سحابتان أو أكثر فإن تيار الهواء الصاعد داخل السحابة يزداد بصفة عامة، ويؤدى ذلك إلى جلب مزيد من بخار الماء، من أسفل قاعدة السحابة، والذي بدوره يزيد من الطاقة الكامنة للتكثف والتي تعمل على زيادة سرعة التيار الهوائي الصاعد دافعاً بمكونات السحابة إلى ارتفاعات أعلي، وتكون هذه التيارات أقوى ما يمكن في وسط السحابة، وتقل على الأطراف مما يؤدى إلى ركم هذه المكونات على جانبي السحابة، فتظهر كالنافورة أو البركان الثائر، الذي تتراكم حممه على الجوانب وقد أثبتت الشواهد أن التحام السحب (Cloud - merger) يؤدى إلى زيادة كبيرة في الركم وبالتالي إلى زيادة سمك السحاب وأن تجمعاً من الدرجة الأولى(First - order merger) يؤدى إلى عشرة أضعاف المطر المنتظر وتجميعاً من الدرجة الثانية(Scond- order merger) يؤدى إلى مائة ضعف من كمية الأمطار المتوقعة بدون أي تجميع للسحب.
وإجمالاً فإن تجميع قطع السحب يؤدى إلى زيادة ركمه وبالتالي إلى زيادة سمكه التي تدل على قوة هذا السحاب من ناحية أمطاره ورعده وبرقه بل نجد أن السحاب الذي نحن بصدده يسمى سحاباً ركامياً لأن عملية الركم في هذا النوع أساسية وتفرقة عن باقي أنواع السحاب. ومن المعلوم أن عملية سوق السحاب قد تستغرق بضع ساعات، بينما تستغرق عمليتا التجميع والركم أقل من ذلك (حوالي ساعة أو أقل).
ومن المعلوم أيضاً أن من السحب الركامية ما يسمى بالركامى الساخن (ذو سمك صغير نسبياً) وأقل درجة حرارة داخل هذا السحاب أعلى من درجة التجمد. وهو بذلك السمك الصغير نسبياً أقرب شبهاً بالتلال لا الجبال وحرارته لا تسمح بتكون البرد وهذا النوع تتكون الأمطار فيه من قطرات الماء فقط، وليس به رعد وبرق.
وهناك سحاب ركامي يصل إلى ارتفاعات شاهقة ويشتمل على قطرات ماء في القاعدة، وخليط من ماء شديد البرودة وحبات برد في الوسط، أما القمة فتسودها بللورات الثلج وهذا السحاب هو الذي تكون زخاته من الماء أو البرد أو كليهما ويحدث به برق ورعد وهو السحاب الركامى المزنى الذي يكون في شكل الجبال.
الظواهر الجوية المصاحبة: الهطول (زخات من المطر أو البرد أو كليهما):
تتحرك السحب الركامية إلى ما شاء الله لها وعامل الركم والبناء مستمر طالما كانت تيارات الهواء الصاعدة قادرة على حمل مكونات السحاب من قطرات ماء، أو حبات برد وعندما تصبح الرياح الرأسية غير قادرة على حمل هذه المكونات تتوقف عملية الركم وتبدأ مكونات السحاب في الهبوط مباشرة إلى أسفل كمطر من ماء أو برد أو كليهما، وذلك حسب مكونات السحاب وتوزيع درجات الحرارة والرطوبة أسقل السحاب ويتكون البرد داخل السحاب بين درجتي حرارة: أقل من الصفر وحتى (40ْ-م).
وفي هذه المنطقة تكون هناك قطرات من ماء شديد البرودة (أقل من الصفر المئوي) وذلك لعدم كفاية نويات التثلج وهذه القطرات غير مستقرة بمعنى أنها تتجمد فور اصطدامها بأي جسم آخر. وفي حالة وجود تيار هوائي شديد صاعد داخل السحاب الركامى المزني ونتيجة اختلاف سرعات القطرات شديدة البردة تحدث تصادمات ينتج عنها تحول قطرات الماء شديدة البرودة إلى ثلج، يغطى حبات البرد، فتكبر وتستمر في الكبر حتى يثقل وزنها ولا يستطيع التيار الرأسي حملها فتهبط برداً وقد شوهدت حبات برد يصل حجمها إلى حجم البرتقالة وهذا يعنى: أنه في مثل هذه الحالات التي تكون فيها حبات البرد كبيرة (شكل 5 ب) فإن هذه السحب تحمل في طياتها دماراً عاما، خاصة الزراعة.
ومن المعلوم كذلك أن نزول المطر من قاعدة السحاب ( شكل6أ) يكون على شكل زخات خلال جزء من قاعدة السحاب ( شكل 6ب) في بداية الهطول حيث يسود في نـهاية حياة السحاب في نهاية الهطول ثم زخات من معظم قاعدة السحاب تيار هابط.
الرؤية العلمية الحديثة لتكون البرق بواسطة التفريغ الحاصل من اصطفاق البرد:
أولاً:الظواهر المخبرية:
أ- ظاهرة (وركمان – رينولدذ): أكتشف (رينولدذ)و(وركمان) أن الماء أثناء تجمده مع محلول ملحى مائى يولد فرق جهد كهربائى خلال السطح الفاصل بين الثلج والسائل وينعدم بانتهاء التجمد واقترحا أن يكون هذا أساساً لتولد الشحن داخل السحب وبالتالي تولد البرق.
ب- ظاهرة (دينجر- جون) لاحظ (دينجر) و(جون) أن الثلج أثناء ذوبانه تتولد عنه شحنات كهربائية ومكن هذا (دريك) من اكتشاف أنه إذا ما علقت بلورة ثلجية في سلك وأرسل عليها تيار غازي معلوم السرعة والحرارة والرطوبة لإذابتها فإن الغاز عند نهاية مروره على البلورة لا يحمل شحناً إلا إذا بدأت البلورة في الذوبان وهناك دليل ميداني قد اكتشفه (تشالمنز) يؤكد أن التيار الكهربائي الجوى ينساب في اتجاه معاكس بالنسبة للمطر والثلج أثناء سقوطهما.
جـ- الظاهرة الديناميكية الحرارية للثلج إذا تلامست قطعتان من الثلج تختلفان في درجة الحرارة فإن قوة دافعة كهربائية تتولد بالتأثير الحراري وقد اكتشف (لاتهام ستو) بأن الشحن يمكن أن ينتقل من بلورة إلى أخرى بالتصادم وكذا إذا انزلقت قطعة ثلجية على أخرى مختلفة عنها في الحرارة. وأن وجود فقاقيع هوائية منحبسة في الثلج يؤثر في إشارة الشحن سلباً وإيجابا.
د- التكهرب الناشئ عن تصادم أو تكسر بللورات الثلج أو تصادم الماء الشديد البرودة مع البرد اكتشف (بيرس وكنييه) أن تسليط تيار هوائي على قطعة ثلج تتطاير منه - أثناء تآكله - قطع وشظايا تحمل شحنات سالبة، بينما يحمل الهواء شحنات موجبة، لاحظ (لاتهام وماسون) بأن هناك تولداً للشحن أثناء تصادم وتجمد قطرات الماء الشديدة البرودة مع سطح ثلجى وأثناء تكون " الضريب" وهو (البرد - الجليد - الثلج - الصقيع )- كما في معاجم اللغة مما سبق يتبين أن الثلج أو البرد يولد شحنات كهربائية أثناء تحوله من حال إلى حال إما بالتصادم أو الملامسة أو الانكسار أي كلما طرأ عليه طارئ غير من شكله، أو حجمه، أو حرارته أو حالته.
ثانياُ الشواهد الميدانية:
وجد (Kiehbid) وآخرون بأن مصدر الشحنات السالبة للتفريغات المتتالية من السحاب إلى الأرض يوجد على ارتفاعات محصورة ما بين سطحين متاخمين درجة حرارتهما (-15ْو25ْ) وتتطابق مع منطقة وجود أمطار أو ثلوج بين هذين المستويين ( أنظر شكل رقم 7) ومن هنا يظهر أنه رغم اختلاف أنواع السحب الركامية جغرافيا أو فصلياً فإن حيز الحرارة الذي توجد بداخله مراكز الشحن السالبة ثابت لا يختلف. ويقرر (لاتهام) أن هذه المشاهدة متفقة تماماً مع الظواهر المخبرية وبالتالي فإن باستطاعة البرد أن يولد مجالاً كهربائياً انهيارياً في الفترة الزمنية المطلوبة مع أمطار معتدلة إذا وصل تركيز بلورات الثلج في منطقة الشحن إلى 10 بلورات في اللتر الواحد. وبما أن مركز الشحن يقع في الحيز المحصور ما بين (-15ْو 25ْ) فأنه من الواضح إن عدد نويات التجمد الطبيعية غير كاف لتوليد البلورات الثلجية بالتركيز المطلوب، ولا شك أن هناك عاملاً ثانوياً وإن لم نقف عليه بعد لازدياد عدد البلورات.
شكل 7: رسم توضيحي يبين مستويات وتوزيع وتفريغ الشحنات الكهربائية من السحاب الركامي في ظروف مناخية مختلفة.
الخلاصة: وهكذا فإن الظواهر المخبرية والمشاهدات الميدانية قد أقامت الدليل على أن البرد قد يكون سبباً في تولد البرق وهذا ما قرره القرآن الكريم قبل 1400عام.
الطرح القرآني لعملية تكون السحاب الركامى:
المعاني اللغوية والتفسيرية: فيما سبق تم إيضاح نشأة وتطور السحاب الركامى وكذا الظواهر الجوية المصاحبة لذلك. والآن نرجع إلى النص القرآني في وصف السحاب الركامى ومن المهم قبل ذلك أن نتعرف على معاني الألفاظ القرآنية لفهم النص كما جاء في معاجم اللغة وكتب التفاسير:
1-ألم تر أن الله يزجى سحاباً إسلامي: جاء في معجم مقاييس اللغة مادة (زجى) والريح تزجى السحاب: تسوقه سوقاً رفيقاً وبمثله قال ابن منظور في لسان العرب وقال الجوهري (زجيت الشيء تزجية إذا دفعته برفق) وهذا ما فهمه المفسرون من الآية. فقد قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه يسوق السحب بقدرته أول ما ينشئها وهي ضعيفة وهو الإزجاء:وقال أبو السعود: ( غلإز جاء: سوق الشيئ برفق وسهولة )، وقال أبو حيان: (ومعنى يزجى يسوق قليلاً ويستعمل في سوق الثقيل برفق ) وقال الشوكانى
الإزجاء: السوق قليلاً المعنى انه يسوق السحاب سوقاً رفيقاً) وهذا الذي ذكره المفسرون هو نفسه الذي قرره علماء الأرصاد في الخطوة الأولى من تكوين السحاب الركامى كما بينا سابقاً تحت عنوان: كيف يبدأ كون السحاب الركامى.
2- (ثم يؤلف بينه): يبين علماء اللغة أن التأليف: هو الجمع مع الترتيب والملائمة قال الاصفهانى في غريب القرآن: (والإلف اجتماع مع التئام... والمؤلف ما جمع من أجزاء مختلفة ورتب ترتيباً قدم فيه ما حقه أن يقدم وأخر فيه ما حقه أن يؤخر) وقال ابن فارس في المقاييس
الهمزة واللام والفاء أصل واحد يدل على انضمام الشيء إلى الشيء والأشياء الكثيرة أيضاً ) ومن المفسرين قال القرطبى
أى يجمعه عند انتشائه ليقوى ويتصل ويكثف) وقال الزمخشرى
ومعنى تأليف الواحد أنه يكون قزعاً فيضم بعضه إلى بعض وجاز "بينه" وهو واحد لأن المعنى بين أجزائه ) وقال ابن الجوزى
أى يضم بعضه إلى بعض فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة والسحاب لفظه لفظ الواحد ومعناه الجمع). وقال الطبرى
وتأليف الله السحاب: جمعه بين متفرقها) وهذا اللفظ الذي استعمل في كتاب الله للدلالة على المرحلة الثانية في نظام تكوين السحاب الركامى يندرج تحته هذا المعنى العلمي الذي شاهده علماء الأرصاد. ففي هذه المرحلة تتألف السحب المتعددة لتكون سحاباً واحداً وبلغ التأليف بين السحب أن أصبحت كياناً واحداً. ويحدث كذلك تأليف بين أجزاء السحاب الواحد. كما أشار إلى ذلك الزمخشرى أخذاً من معنى اللفظ القرآني. ولكي تتم هذه الخطوة: وهي الانتقال من مرحلة الإزجاء لقطع السحب إلى مرحلة التأليف يحتاج الأمر إلى وقت ولذلك نرى أن الحرف الذي استعمل في القرآن للدلالة على هذه العملية هو حرف العطف "ثم" الذي يدل على الترتيب مع التراخى في الزمن (ثم يؤلف بينه).