مواجهة سورية امريكية عبر وكالة الطاقة الذرية

بعيد منتصف الليل بوقت قليل من يوم 6 سبتمبر/ ايلول دخلت مجموعة من الطائرات الاسرائيلية المقاتلة عبر الاجواء التركية الى عمق الاراضي السورية وغادرتها سالكة نفس المسار.

في اليوم التالي تنقل الانباء عن مصدر عسكري سوري ان الدفاعات الجوية السورية تصدت لمجوعة من الطائرات الاسرائيلية واجبرتها على مغادرة الاجواء السورية وانها القت ذخائرها في مناطق غير مأهولة دون ان تتسبب بوقوع اضرار.

تلتزم اسرائيل الصمت وبعد اسبوع تقول الولايات المتحدة ان الطيران الاسرائيلي قصف هدفا في سورية وربطت بين هذا الهدف وكوريا الشمالية.

بعد اسبوعين يعلن زعيم المعاضة بنيامين نتياهو ان اسرائيل قامت بعملية عسكرية داخل سورية.

وبعد ثلاثة اسابيع يعلن الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة مع بي بي سي ان اسرائيل قصفت موقعا عسكريا سوريا غير موضوع في الخدمة بعد بينما اشار مسوؤلون سوريون ان العمل في المنشأة كان متوقفا عند تعرضه للغارة.

الى الان لا شيء يثير الارتياب سوى ورود اسم كوريا الشمالية التي تتعاون مع دول قليلة، وفي المجال العسكري فقط.
حجر في بركة راكدة

وبعد اكثر من ستة اشهر رمت واشنطن بحجر في بركة مياه راكدة واعلنت تقديم معلومات استخبارية الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تثبت ان سورية كانت تقوم وبمساعدة كورية شمالية ببناء مفاعل نووي في موقع "الكبر"وانها سارعت الى التخلص من بقايا المبنى المدمر وطمرته وطلبت من الوكالة التحقيق في هذه المعلومات.

ونشرت الولايات المتحدة في 25 ابريل/ نيسان من هذا العام صورا قالت انها لداخل المبنى قبل تدميره ويظهر فيها ما قالت انه مفاعل نووي مشابه لمفاعل يونجبيون الكوري الشمالي. حيث اظهرت الصور ما يشبه مفاعلا نوويا يعمل بالجرافيت ودورة التبريد فيه غازية.

وذكرت الانباء ان مصدر هذه الصور اسرائيل.

على اثرها طلبت الوكالة من سورية السماح لمفتيشها زيارة الموقع وهو ما وافقت عليه بعد مفاوضات طويلة.
التساؤلات

المعلومات الامريكية قدمت بعض التفاصيل لكنها طرحت تساؤلات اضافية: مثل ما هي اغراض هذا المفاعل؟ واذا كان للاغراض العسكرية فاين هي منشأة فصل البلوتونيوم؟ واين هو المصنع الذي يتم فيه وضع البولوتونيوم في رؤوس حربية؟ واين هي الصواريخ القادرة على حمل هذه الرؤوس؟ ومن اين تأمن سورية اليورانيوم لتشغيل المفاعل؟.
صورة جوية لموقع الكبر قبل تدميره
تطلب الوكالة زيارة ثلاثة مواقع سورية اخرى

قام فريق الوكالة بزيارة الموقع في الثاني والعشرين من يونيو/حزيران لمدة ثلاثة ايام واخذوا عينات من الموقع وقدموا تقريرا عن الزيارة الى الوكالة وبعد تحليل العينات التي تم اخذها عرض التقرير امام اجتماع مجلس محافظي الوكالة في اواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام.

وجاء في تقرير الوكالة انه تم العثور على ذرات اليورانيوم المخصب في الموقع وان صور الاقمار الصناعية للموقع تشير الى ان شكل المبني المدمر كان يشبه المفاعلات النووية.

وطلب المدير العام للوكالة محمد البرادعي من سورية السماح للمفتشين بزيارة موقع الكبر مرة اخرى وثلاثة مواقع عسكرية قال انها مرتبطة بالموقع السابق والوثائق الخاصة بموقع الكبر التحقق من الهدف الذي انشاء من اجله البناء.

كما طلب المندوب الامريكي ومندوبو الدول الغربية من سورية توضيحات عن اسباب قيامها بعمليات بتسوية وتجريف موقع الكبر والمواقع الثلاثة الاخرى التي طلبت الوكالة زيارتها حسبما اظهرت صور الاقمار الصناعية.

كما طلبت الوكالة الاطلاع على انقاض المبنى الذي كان قائما في موقع الكبر وقال المندوب الفرنسي لدى الوكالة "ان الاتحاد الاوروبي يقدر سماح سورية لمفتشي الوكالة بزيارة الكبر لكنه يأسف لرفضها السماح للمفتشين بزيارة المواقع الاخرى ويدعوها الى التعاون غير المشروط مع الوكالة وتقديم مخططات مبنى الكبر والاجابة على الاسئلة الخاصة بالمواد التي تم توريدها للموقع".
صورة جوية للموقع
قالت واشنطن ان سورية سارعت الى التخلص من انقاض المبنى المدمر

وحتى الان ترفض دمشق الاستجابة لطلبات الوكالة وتقول ان هذا الملف يجب ان يقفل وان المواقع الاخرى التي طلبت الوكالة زيارتها مواقع عسكرية ولا يمكن السماح بدخولها لان ذلك يعرض امنها القومي للخطر وان الاتفاق مع الوكالة كان السماح لمفتيشها القيام بزيارة واحدة فقط لموقع الكبر.

اذا الوكالة لا تزال تنتظر من سورية الاجابة على عدد كبير من الاسئلة حسبما نقلت صحيفة الحياة عن البرادعي بقوله "ان الوكالة تنتظر تفسيرات كثيرة من سورية ولا تزال تريد ان يفحص مفتشوها مواقع عدة".
عواقب

كما اعلن المندوب الامريكي لدى الوكالة جريجوري شولتي في مقابلة له مع صحيفة الشرق الاوسط ان لدى سورية مهلة حتى اجتماع مجلس محافظي الوكالة في شهر مارس/اذار المقبل للتعاون معها واذا بقيت سورية مصرة على عدم العاون "فستكون هناك عواقب" دون ان يشير الى طبيعة هذه العواقب.

لاشك ان العلاقة بين سورية والادارة الامريكية التي تحزم حقائبها بلغت اسوء مراحلها بعد الغارة الامريكية داخل الاراضي السورية قرب مدينة البوكمال على الحدود العراقية قبل اشهر قليلة.

وتترك ادارة بوش وارئها ارثا ثقيلا من الخلافات بين دمشق وواشنطن وعلى الادارة الامريكية المقبلة التي تقول انها تريد ان تعتمد توجهات جديدة على الصعيد الخارجي معالجة عدد من الملفات الملحة مثل السلام في الشرق الاوسط و الملف النووي الايراني وغيرها من القضايا.

وتأمل دمشق ان تتبنى واشنطن سياسة اكثر انخراطا في قضايا الشرق الاوسط وبالتالي اعادة فتح قنوات الاتصال الدبلوماسي معها والانخراط في المفاوضات الجارية بينها وبين اسرائيل بواساطة تركية.
مصيدة

وتخشى سورية ان يتحول التحقيق الذي تجريه وكالة الطاقة الذرية عن موقع الكبر الى وسيلة جديدة للضغط عليها وعزلها، وان يكون مصير هذا الملف مثل التحقيق الذي تجريه الامم المتحدة حول اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري.

ويقول الباحث الامريكي في الشؤون السورية جشوا لاندز " ان التحقيق الذي تجريه الامم المتحدة في اغتيال الحريري قد منح المحافظين الجدد في الادارة الامريكية الامل في تغيير النظام في دمشق بكلفة قليلة عن طريق محاصرته بشبكة من العقوبات الدولية".

ويضيف لاندز "ومع تراجع الحماس الدولي في قضية مقتل الحريري كما يبدو يمكن ان تفتح الغارة الاسرائيلية على موقع الكبر الطريق امام تحقيقات دولية وهذا الامر سيؤخر انحراط فريق اوباما للسياسة الخارجية الدبلوماسي مع سورية وهذا ما تأمله الدوائر المعادية لسورية في واشنطن وبالتالي نصب فخ جديد للادارة المقبلة يؤدي الى سلوكها نهج المواجهة مع دمشق".

كما لا يستبعد بعض المراقبين ان يكون الهدف من اثارة واشنطن لهذا الموضوع ممارسة مزيد من الضغوط على كرويا الشمالية وللتأكيد على ان بيونج يانج لم تعلن كامل المعلومات عن انشطتها النووية كما تم الاتفاق معها.

ولا يخفى ان بعض الدوائر في ادارة بوش غير راضية عن الصفقة التي تم التوصل اليها مع بيونجيانج لاحراج التيار البراجماتي في الخارجية الامريكية وعلى رأسهم الوزيرة كونديليزا رايس، اذ ترى هذه الدوائر ان على الولايات المتحدة الا تقدم تنازلات لكوريا الشمالية والا تتعامل مع دمشق.

وبعد رحيل بوش كيف ستتعامل ادارة اوباما مع هذا الملف؟ سؤال نتركه برسم الاشهر المقبلة.